بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
(نقط الحروف العربية)
«نَقْطُ الإعجام»
عَرَفَتْ الكتابة العربية نوعين من نَقْطِ الحروف، هما: نَقْطُ الإعجام، ونَقْطُ الإعراب.
والمقصود بنَقْطِ الإعجام: هو وضع نقاط على الحروف العربية لتمييز الحروف المتشابهة، مثل النقاط المُمَيِّزَةِ بين الباء والتاء والثاء والياء والنون، فبدون نقاط يمكن أن تكتب هذه الخمسة على صورة واحدة.
ونَقْطُ الحروف نَقْطَ إعجام هو عمل عظيم ينسبه بعضنا -خطأ- إلى النحوي المشهور نصر بن عاصم.
لكن ما ذكره القَلْقَشَنْدِيُّ في كتابه «صُبْح الأَعْشَى» يخالف هذا الاعتقاد، وهذا ما أكدته أقدم بردية عربية مكتشفة في مصر يعود تاريخها إلى سنة 22هــ.
أقول: يؤكد القلقشندي -وكذلك نص البردية- أن حروف الكتابة العربية عرفت النَّقْطَ قبل نصر بن عاصم بزمن غير يسير.
ولقد ورد عن الصحابة أنهم جردوا القرآن -أي كتبوا حروفه دون نقاط- فلقد كانت العرب قديمًا تعامل نَقْطَ الحروف كما نعامل نحن الآن علامات الإعراب، حيث كانوا يعتقدون أن من كان يجيد القراءة والكتابة لا يحتاج إلى نَقْطِ الحروف، أما متوسطو الثقافة فإن النَّقْطَ يساعدهم على فهم الخطاب؛ فلذلك كانوا يتجنبون النَّقْطَ حينما يكتبون في الرسائل الموجهة للملوك، فعومل القرآن -بوصفه خطابًا إلهيًّا- معاملة رسائل الملوك.
لكن عدم نَقْطِ الحروف كان يسبب مشاكل كثيرة أثناء قراءة النصوص غير المنقوطة؛ فلقد كان فهم النص يتطلب قراءته أكثر من مرة، ومحاولة استنتاج معاني الكلمات؛ اعتمادًا على السياق وعلى كلمات لا تحتاج حروفها إلى نَقْطٍ مثل الكلمات (كلام - على - إلى).
لكن مع انتشار الإسلام ودخول غير العرب فيه، انتشر اللحن والتصحيف في قراءة القرآن؛ ففزع الناس إلى ولاة الأمر، وكان ما كان من نصر بن عاصم الذي أعاد النَّقْطَ وغَيَّرَ مواضعه القديمة، ومَيَّزَ الحروف المتشابهات وأعاد ترتيبها بوضع الحروف المتشابهة متجاورة (أ، ب، ت، ث...) بعد أن كان ترتيب الحروف (أ، ب، ج، د...).
لم يكن نصر بن عاصم -إذن- أول من نَقَطَ الحروف، لكن فعله هذا يُحمَد له أن حافظ على القرآن من اللحن والتصحيف، رحمه الله وشكر له صنيعه.
------------------------------------------
المراجع:
- «تاريخ اللغة العربية في مصر والشرق الأدنى»، للأستاذ الدكتور أحمد مختار عمر.
- «دروس في فقه اللغة»، للدكتور إبراهيم ضوة.
- «صبح الأعشى في صناعة الإنشا»، للمؤرخ الأديب أحمد بن علي القلقشندي.
- «اللغة الباسلة»، للأستاذ الدكتور فتحي جمعة.
- «المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام»، للدكتور جواد علي.